الأيادي العابثة في اليمن

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الأيادي العابثة في اليمن, اليوم الأربعاء 31 ديسمبر 2025 01:28 صباحاً

المنطقة ليست على ما يرام، والسبب؛ أبناؤها الخارجون من رحم بعض الدول بات لهم الدور في زعزعتها. وهذه حقيقة واضحة ولا يشوبها شائب.

اليمن يعاني. تنازعه المتنازعون. جزء منه اختطفه ثلة من الحشاشين الغائبين عن الواقع. قاموا بتأجير الدولة والبلاد والعباد لسياسات الخارج.

وفي جزء جديد يحاول بعض مرتدي الخناجر الذهاب به إلى أبعد مدى. يضعون الانفصال هدفا سياسيا واجتماعيا. منطقيا؛ لا مانع من ذلك، لكن هناك متطلبات تحقق تلك الأهداف.

مثل ماذا؟ اجتياز الأطر القانونية للانفصال، وذا يتطلب غطاء من قبل دول لها كلمتها في مجلس الأمن. ثم يحتاج إلى اعتراف دولي، وهذا له كلفته السياسية وحساباته الخاصة المرتبطة بالدول التي يمكن لها أن تعترف بهذا الكيان ككيان مستقل.

وثمة ما هو أهم وأبعد من ذلك، مثل؟ موافقة الرياض على فكرة الانفصال أهم من الاعتراف الدولي. كيف ولماذا؟ كيف: لأن الضوء الأخضر السعودي يمنح الأمم المتحدة، والدول الغربية، والمانحين الدوليين، قناعة أوسع بالفكرة. ويمكن اعتباره جسرا دوليا لليمن، لماذا: لأن الموقف السعودي يسهم في استقرار اليمن، ودعم اقتصاده على نحو واضح وسريع.

يمكن القول إن الجميع، على الصعيدين الإقليمي والدولي، على قناعة بأن الرياض هي أكبر الداعمين لاستقرار اليمن. وذلك ليس من اليوم، إنما من عشرات السنين.

ما سبق يفتح المجال أمام طرح سؤال مشروع: لماذا لا تفضل المملكة انفصال اليمن عن بعضه بعضا؟ الجواب: لعدة أسباب. أولا: الموافقة؛ تعني إضعاف الحكومة الشرعية التي تلقى غطاء واعترافا عالميا، وهي - أي المملكة - من سعت لتقديمها للمجتمع الدولي. ثانيا: القبول السعودي سيمنح جماعة الحوثي المارقة مساحة أكبر لاتساع احتلالها، استنادا على الفرقة التي ستنجم عن تأييد ورفض فكرة الانفصال. ثالثا: وجود يمن موحد حتى إن كان ضعيفا، من الناحية الاستراتيجية؛ يعتبر أكثر جدوى من يمن مفكك، حسب الرؤية السعودية.

رابعا: لدى الرياض حساسية قصوى من تقسيم اليمن، ارتباطا بالناحية الجغرافية. فهي ترتبط بحدود كبرى معها، وما إذا قسمت الدولة على اثنين، فذا سيكون أمرا مرهقا بالنسبة لها. فهناك مخاوف مشروعة في المملكة من نشوء صراع داخلي بين الجانبين، ما قد يوفر مناخا مناسبا للجماعات المسلحة.

برأيي، إن هذه التفاصيل الدقيقة لم تفهم بعد في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، التي عمدت للضغط على قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، لدفع قواته للقيام بعمليات عسكرية على حدود المملكة.

دون أدنى شك، فإن إدخال الجانب الإماراتي سفينتين محملتين بالسلاح لميناء المكلا، دون الحصول على التصاريح الرسمية من قيادة القوات المشتركة للتحالف، يعد مخالفة صريحة لمضامين قرار مجلس الأمن الدولي (2216)، في ضوء تعطيل أنظمة التتبع الخاصة بالسفينتين، وإنزال كمية كبيرة من الأسلحة والعربات القتالية، لدعم قوات المجلس الانتقالي، يعكس توجها لزعزعة أمن واستقرار المملكة والمنطقة.

أعتقد أن مثل هذه التصرفات لا تخدم المصلحة العامة لدول المنطقة بما في ذلك الإمارات، فإن كانت ذات مكاسب ستكون متواضعة وضيقة، وبعيدة كل البعد عن الرؤية الاستراتيجية التي يفترض أن تضطلع بها دولة رصينة، يجب عليها الحذر من تحقيق منافع شخصية لقيادات المجلس الانتقالي، والنافذين، دون أن تضع باعتبارها الإنسان اليمني المكلوم، والباحث عن وطن كبير.

إن التفسير الواقعي لمثل هذه الجرأة غير المحسوبة، هو تصعيد وتهديد خطير على الأمن الوطني للمملكة، باعتبار ارتباط المحافظتين بحدود مع المملكة تصل إلى700 كيلو متر. وفي جانب آخر هي بمثابة صب الزيت على النار، بين أطراف متنازعة، بحاجة إلى احتواء سياسي لا إذكاء مزيد من الفتنة.

وبالنظر إلى البيان السعودي الذي صدر أمس عن وزارة الخارجية، وأسف على تحركات أبو ظبي في اليمن، فيمكن اعتباره «بيان ضرورة»، لأن الصمت عن التصرفات الإماراتية قد يفسر على أنه قبول أو تجاهل، لكنه كان عكس ذلك، إذ احتوى رسالة واضحة، مفادها بأن أي تحركات قرب الحدود السعودية تعد خطا أحمر، وتهديدا مباشرا للأمن الوطني السعودي.

بزعمي أن الجهود التي تبذلها المملكة، الرامية إلى إيجاد حل للأزمة الحالية وإنهاء التصعيد في محافظة حضرموت، من خلال الحوار وتجنب أي تصعيد عسكري قد يتسبب في إراقة دماء المزيد من اليمنيين، جهود محمودة، لا ينتظر من ورائها أكثر من استقرار البلاد، التي عانت على مر السنين من حالة التشرذم والشقاق، فلم ولن تبحث الرياض يوما ما عن مصالح سياسية، أو موطئ قدم، أو نفوذ استراتيجي على حساب اللحمة اليمنية.

إن ملف التقسيم الذي يغني على ليلاه البعض في اليمن وتدعمه أطراف خارجية، يعد نسخة من الطريقة الحوثية، التي مكنت المارقين من احتلال واجتزاء قطعة من الدولة على أساس طائفي مقيت. الخطوات تشبه بعضها. الاختلاف بالأهداف.

في اليمن لا حل بالسلاح ولا بالعسكرة ولا بالحرب ولا بالاحتلال ولا بالتقسيم.

الحل يكمن باتفاق الأخوة على قلب رجل واحد؛ ومواجهة المحتل الحوثي، لتوحيد الخريطة لا تمزيقها.

وإن ضاعت البوصلة، فليعد الجميع لرؤية السعودية، ورفضها تفكيك الحديقة الخلفية.

وقبل ذلك.. الإمساك بالأيادي العابثة.

أخبار ذات صلة

0 تعليق