بيروت - عامر زين الدين
كلام رئيس الجمهورية العماد جوزف عون الذي قاله خلال زيارته إلى العاصمة الفرنسية باريس في 28 مارس الماضي، بأن «لبنان يريد استعادة أرضه المحتلة من إسرائيل والعودة إلى اتفاقية العام 1949»، ولاقاه حينذاك رئيسا مجلس النواب نبيه بري والوزراء نواف سلام، كان قبل ذلك مادة البحث على طاولة بعبدا بين عون ورئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط.
جنبلاط الذي لا يزال يرى في اتفاق الهدنة الحل الأمثل والوجهة الفضلى بين الخيارات المطروحة، يستند بذلك إلى اعتبار «الترتيب الأمني المشترك من ناحيتي الحدود. ويبني موقفه على قاعدة قانونية وهي الهدنة، التي عاش عليها لبنان منذ عام 1949، رغم ما تخلل الحقبة الماضية من حروب، من الـ 1978 مرورا بي 1982 والـ 2000 والـ 2006، عدا الخروقات التي بلغت بحسب الشكوى اللبنانية نحو 22 ألف مرة ما بين عام 2007 وعام 2021، ووصولا إلى الحرب الأخيرة الموسعة في 20 سبتمبر 2024.
الجدير ذكره أن الجيش الإسرائيلي لا يزال يتمركز في عدد من النقاط التي احتلها بعد الحرب، في فترة وقف إطلاق النار، والتي وصفها مسؤول أمني إسرائيلي بارز (كما نقلت عنه وسائل الإعلام الإسرائيلية حينذاك) بأنها نقاط استراتيجية، على رغم دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 27 نوفمبر 2024، وبعد طلبها تمديد بقائها حتى 18 فبراير الماضي. النقاط هي: تلة الحمامص، تلة العويضة، جبل بلاط، اللبونة، والعزية. وهي تلال حاكمة وكاشفة على سائر المنطقة الجنوبية بالنظر والنيران، إلى جانب تعزيز احتلالها لمرتفعات كفرشوبا، ومزارع شبعا، وشمال قرية الغجر، ومناطق أخرى.
جاء كلام الزعيم الدرزي، بضرورة استمرار الضغط على إسرائيل للقبول بحل كهذا، باعتباره مبنيا على تسوية قانونية (اتفاقية الهدنة)، وكان سبقه الرئيس عون بالقول: «إننا نحتاج إلى محيط مستقر ومنطقة تنعم بالسلام. وإنهاء الحروب يحتاج إلى نظام عالمي مبني على القيم والمبادئ». ولاحقا جاء تعيين السفير السابق سيمون كرم رئيسا لوفد لبنان ضمن «الماكينزم»، بهدف تفعيل الديبلوماسية بدلا من النار، وتسريع الخطى باتجاه الطرح الآنف الذكر.
وعليه، يسري الحديث بشكل متقدم اليوم عن ضرورة العودة إلى اتفاقية الهدنة وإلزام إسرائيل بها، في ضوء التهديدات الإسرائيلية المتعاظمة من احتمال توسع الاعتداءات على نحو أكبر من الخروقات والاستهدافات شبه اليومية إلى عدوان جديد أكبر، قد يصل إلى مناطق أوسع من تلك التي استهدفها سابقا. وتترافق تلك التهديدات مع حرب نفسية ومسيرات، وتنوع أمكنة الاستهدافات في مناطق متعددة من الجنوب إلى البقاع والضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، وحتى جبل لبنان بعد استهداف في سبلين مساء الثلاثاء الماضي.
مصدر في الحزب «التقدمي الاشتراكي» قريب من جنبلاط قال لـ «الأنباء» إن حزبه ينحو دائما باتجاه المسار الديبلوماسي - القانوني في المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، وهو لا يزال متمسكا بالخيارات السلمية لا العسكرية، لحل النزاعات الحاصلة بين لبنان وإسرائيل، مذكرا في هذا السياق كيف ان «وليد جنبلاط رفع مرارا وتكرارا الصوت، مناشدا الأمين العام السابق لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، ثنيه عن الدخول في حرب الإسناد لغزة، خصوصا بعد انكشاف النوايا الإسرائيلية لتنفيذ مخططات قديمة - جديدة، وبالتالي وجوب عدم قبول الاستدراج للحرب، كما فعل الكثير من القادة اللبنانيين في حينه».
بدوره، بين خبير عسكري متقاعد لـ «الأنباء» أهمية اتفاقية الهدنة الموقعة عام 1949 بين لبنان وإسرائيل كفريقين أساسيين، كونها كانت واحدة من سلسلة اتفاقيات تم التوقيع عليها بنفس العام بين إسرائيل ودول عربية مجاورة، بغية إنهاء الحرب العربية - الإسرائيلية التي اندلعت في مايو 1948، اثر إعلان دولة إسرائيل، وقد انضم لبنان رمزيا للقتال إلى جانب مصر وسورية والأردن وقتذاك».
هنا يضيف الاشتراكي: «الاتفاقية الآنفة الذكر عربية- إسرائيلية، قبل ان تكون لبنانية - إسرائيلية، ولهذا كان ولا يزال الرئيس وليد جنبلاط يفضل ان تبقى قاعدة أي اتفاق عامة، وعدم الدخول باتفاقيات جانبية أو منفصلة كلفت لبنان سابقا الكثير، ومنها اتفاق 17 مايو - ايار الشهير، الذي تسبب بحرب لبنانية داخلية».
ودعا لإعادة «إحياء اتفاقية الهدنة الموقعة 23 مارس 1949 بما فيها من نقاط قانونية تلزم اسرائيل التقيد بها، وتجديد التوصية الأممية بها من خلال مجلس الأمن الدولي، لإنهاء الصراع الجاري، وتجنيب لبنان الأسوأ، في ظل مخططات إسرائيلية توسعية، تبدأ من جنوب لبنان، مرورا بجبل الشيخ، ولا تنتهي في الجنوب السوري ومدينة السويداء!».
ويضيف المصدر: «الهاجس الرئيسي لجنبلاط هو مدى اقتناع إسرائيل وإيمانها بالسلام، حيث إنها تمارس العداء السياسي والثقافي للمحيط كله، وتتوسع وتخرق أي مبادرة. حتى ان المبادرة العربية للسلام التي أطلقت في قمة بيروت باتت غير قابلة للتطبيق العام 2002، ولم يبق في فلسطين ارض لتتم مبادلتها بالسلام!».
الخبير العسكري لفت النظر إلى ان «إسرائيل حاولت لاحقا التملص من الاتفاقية، لوجود بنود أممية تقييدية لأهدافها وطموحاتها، وتكمن أهميتها أيضا بانها مندرجة تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يعطي كامل الصلاحيات لمجلس الأمن للتدخل لحفظ الأمن والسلام في العالم، ومصادق عليها من مجلس الأمن، ولم تكن منحازة لفريق دون الآخر، بعكس ما هو حاصل اليوم».
وأضاف: «الاتفاقية ذات طابع دولي، وفيها اعتراف إسرائيلي واضح وخطي وصريح بسيادة لبنان على كامل إقليمه حتى حدوده الدولية القانونية، وأنشئ لها هيئة دولية لاتزال موجودة تحت مسمى اللجنة اللبنانية - الإسرائيلية لمراقبة الهدنة على الحدود، وتعمل اليوم ضمن وحدات «اليونيفيل» المتواجدة في جنوب لبنان. كما لحظت الاتفاقية عدم اللجوء إلى القوة العسكرية، وعدم القيام بأي عمل عدواني ضد الفريق الآخر، بخاصة عدم التعرض للمدنيين».

















0 تعليق