نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
رسالة مفتوحة إلى كل معارض, اليوم الثلاثاء 23 ديسمبر 2025 12:01 صباحاً
يا من اخترت لنفسك طريق المعارضة السياسية أو وجدت نفسك فيه، لعلك تتوقف لحظة وتراجع المشهد كاملا بعيدا عن الانفعال والمبالغة.
رسالتي ليست خصومة معك ولا تقليلا من رؤيتك، بل محاولة لفتح نافذة أوسع صدرا، لإدراك الفروق الدقيقة بين ما تظنه مكاسب، وما هو في الحقيقة خسائر ثقيلة تتراكم على حياتك.
فأنت حينما تغادر مسارك الطبيعي وتصارع ماضيك ووطنك، قد تظن أنك تمارس حقك في الاعتراض، بينما الحقيقة أن اعتراضك يتحول إلى قطيعة مع الذات والكينونة قبل أن يكون قطيعة مع مفاتيح الوطن.
أغلب المعارضين يبدأون رحلتهم بنزوة إثر شعور بالخيبة أو الظلم أو الإقصاء أو عدم تحقيق ما كانوا يحلمون بنيله، حين يتعرضون لتعثر مهني أو اقتصادي أو حقوقي، فيتفاقم الغضب في داخلهم حتى يصبح هو المحرك الوحيد لقراراتهم.
تراكم غضب ونكران، يخلط الظرف بالوطن، والمجتمع بموقف عابر، فتعمى العيون، وتصب النقمة على دولة وأهل ومجتمع وتاريخ وأرض.
كرة ثلج، تحول الاختلاف إلى خصومة، والخصومة إلى مواجهة نارية لا سقف لها.
وقد تبدو المعارضة في البداية طريقا مليئا بالفرص: دعوة أجنبية، منابر إعلامية، وعود بدعم كريم، شعور بالأهمية.
لكنك إذا تأملت قليلا ستجد أن كل شيء بثمن، وأن ما يقدم لك ليس لعظم ذاتك ولا لفكرتك، بل لكونك مادة رخيصة يمكن استثمارها ضد وطنك في معترك سياسي خبيث.
الدول والمنظمات التي تفتح أبوابها أمامك تفعل ذلك وفق مصالحها، وتختار من بين مئات الأصوات من ترى فيه ليونة ولسانا، وأداة خيانة مطواعة.
وقلائل من المعارضين يستطيعون المحافظة على توازنهم واستقرارهم الحياتي والفكري والمادي.
أما الأغلبية، فيتبددون شيئا فشيئا بانتهاء الدور، وحلب الفائدة منهم.
ومع مرور السنوات، يتحول ما كان المعارض يعتبره مكسبا إلى عبء ثقيل: علاقة متوترة مع الوالدين والأسرة، غربة بمناطق الضيق، انقطاع عن المجتمع الذي شكل هويته قبل أن يخونه، ثم فراغ مهني لأن العمل القائم على الغضب لا يصنع مسيرة خير وسمعة، حتى لو لمعوا وسط الشاشات المسيئة لوطنهم.
والأغلبية ممن بدأوا نزوة معارضة انتهوا إلى حياة يأس مهشمة، مشردين، تائهين، يفترشون طرقا لم تكن يوما جزءا من أحلامهم، ويغرقون في الإدمان، ويستغَلون جنسيا، وبعضهم يختفي بلا أثر، وكأن حياتهم صدى صرخة لم تسمع.
ما يظنه المعارض نصرا ليس سوى قشرة عابرة، والحرية تحولت إلى خوف وقيود، وما ظنه طريقا إلى المجد قاده إلى وحدة قاسية يكابر رغم ضيقها، ويصمت.
وطن الإنسان ليس خصما له، حتى لو اختلف مع سياسة أو مؤسسات.
الوطن أم رحيمة، وذاكرة طفولة، وجذور لا تنفصل، حب وحيد لا يساوم على ابنه مهما غضب أو أخطأ أو عق.
هذه الرسالة ليست لإسكات أحد، بل لتذكير المعارضين بأن الوطن أوسع وأسمح مما يظهر في عين الغضب، وأن الخسائر العظيمة تبدأ بخطوة صغيرة متهورة، يظن أنه يتحكم بها، بينما هي تتحكم به، وتزيد أوهامه وأطماعه.
فلعل كل معارض أن يراجع طريقه وأهدافه، لأجل ذاته أولا، وحتى لا يكتشف بعد فوات الأوان أنه قد أضاع عمرا كاملا ثمنا لفكرة ساخطة متحيزة كان يمكن إصلاحها بعقل أكثر هدوءا، وبصيرة اتزان.
shaheralnahari@















0 تعليق