من رموز العمل الخيري والعطاء التطوعي عبدالله بن عمر نصيف (جامع المحاسن)

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
من رموز العمل الخيري والعطاء التطوعي عبدالله بن عمر نصيف (جامع المحاسن), اليوم السبت 20 ديسمبر 2025 11:07 مساءً

يسوق الله لبعض عباده الصالحين، مجاميع الخير ومفاتيح العطاء، حتى تصبح أرزاقا يصطفي الله بها هؤلاء العباد، حينما يسخر الله لهم أبواب الخير ونوافذه، وينساقون عملا وعطاء وإحسانا.

وأحسب أن معالي الشيخ الدكتور عبدالله نصيف (1358-1447هـ) من هؤلاء، حينما عاش لمجتمعه وأمته، أكثر مما عاش لنفسه وذاته من كثرة أبواب الخير ونوافذها في حياته.

ولهذا فإن الحديث هنا، ليس عن مناصبه العليا الكثيرة التي تسلمها في المجالات الإدارية، والتي خدم فيها مجتمعه وأمته ووطنه وهي كثيرة، كما أن الحديث هنا لن يكون عن بيته وأسرته، بيت العلم والدعوة والتربية والدين والتي كتب عنها الكثير من محبيه. لكن الحديث هنا هو عن بعض إسهاماته الخيرية، وخدماته المجتمعية، وتفاعلاته مع قضايا الأمة الإسلامية مما هو معروف عنه، فضلا عن المجهول عنه وهو أكثر، وقد عرف عن أعماله الخيرية أنها (جمعت محاسن العطاء) من الوقت والنفس والمال، وقد أصبح بهذا رجل عمل بمسؤولية وأيقونة في القدوة والاقتداء. مثل بلاده خير تمثيل من خلال شخصيته المعطاءة، وأعماله المؤسسية، ومناصبه الرسمية وما صحبها جميعا من قيم الخير والخيرية. وكان من تقدير هذه الجهود حصوله على جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام عام 1411هـ/1991م، تقديرا لعطائه العلمي والخيري، فهو خير أنموذج ومثال لمن جمع بين العلم والعمل، ولمن خدم مجتمعه وبلاده وأمته بالتفاني الخيري والتطوعي.

ومن صفات محاسن العمل والعطاء لديه: أنه شخصية حوارية في المجالات الفكرية والثقافية والاجتماعية على المستوى الداخلي والخارجي، كما أنه من رموز خدمة قضايا الأمة الإسلامية في المنظمات والمحافل الدولية. ومن أبرز نوافذ الخير وأبوابه ومحاسن أعماله: أنه شغل منصب رئيس مجلس هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، وكان رئيسا لمؤتمر العالم الإسلامي، كما كان الأمين العام للمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، وقد قاد وأدار عددا من المنظمات، كما شارك في مؤسسات إغاثية أخرى، منها المجلس الإسلامي السابق الذي أسهم من خلاله في دعم المشاريع الصحية والتعليمية والإغاثية في الدول المحتاجة، وقد جمعت شخصية نصيف بين الوظيفة والرسالة، وبين التكليف والتشريف، فهو وأمثاله من النماذج الحية لكل موظف يمثل دينه ووظيفته خير تمثيل. وهو على المستوى المحلي مؤسس ومسهم في تأسيس صندوق عبد الله بن عمر نصيف التكافلي، الذي يعنى بمساعدة الأسر المتعففة والمحتاجين في الحالات الطارئة، وهي المبادرة التي تحولت إلى مؤسسة عرفت باسم (مؤسسة عبدالله بن عمر نصيف الخيرية).

كتب عنه كثير من محبيه، مما تعجز المقالات عن حصره لكثرة أعماله الخيرية، وتنوع مبادراته التطوعية في تحقيق مفهوم الأمة وقيم الخيرية، ومن ذلك - على سبيل المثال - ما ورد عن أبرز جهوده في موقع إسلام أون لاين، حول إسهاماته في العمل الإسلامي والإغاثي تحديدا، وفيه ورد «كان للأستاذ الدكتور عبدالله نصيف جانب مهم في حياته، وهو الاهتمام بالشأن الإسلامي والإغاثي، حيث امتد تأثيره إلى الساحة الدولية بتوليه الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي (1983-1993م). وقد قاد جهودا كبيرة في الحوار الإسلامي العالمي والعمل الإغاثي، حيث رأس هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية وأطلق مشروع سنابل الخير [الشهير]. كما شارك في لجنة اختيار الفائزين بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، وشغل أيضا منصب الأمين العام للمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة 1998–2008م، كما عمل نائب رئيس للندوة العالمية للشباب الإسلامي. وأسهـم في تأسيس ودعم هـيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة». [إسلام أون لاين: عبدالله نصيف حياة في التعليم وخدمة الإسلام].

وكتب عن مكانته وخيرية أخلاقه وصفاته، صديقه العزيز المهندس عبدالعزيز حنفي، ومما قال عنه «هو من الشخصيات الفريدة والبارزة في المنطقة الغربية، ويتمتع باحترام وتقدير رسمي وشعبي. كما أنه من مؤسسي جمعية (خيركم) لتعليم القرآن الكريم وتحفيظه بجدة، وكان يتحلى بأجمل الصفات ومكارم الأخلاق، طيبا سخيا بلا حدود، عرف بخلقه ورفعة شأنه وسلوكه الإنساني النبيل، اجتماعي من الطراز الأول، من أهل الوفاء، وصال للرحم، وكان ملاذا للمتخاصمين يصلح بين الناس» [صحيفة البلاد: رحيل عبدالله نصيف رجل الدولة والعمل الخيري].

كتب عنه معالي الشيخ صالح بن حميد مقالة طويلة جديرة بالقراءة والاستفادة منها، وكان مما كتب عن جوانب الخير والعطاء عنده مما تفخر به المجتمعات والدول، قوله «عميد من أعمدة العمل الخيري إرادة وإدارة، رحل وقد ترك خلفه إرثا عريضا. فجع به الوطن والأمة الإسلامية، وعالم البر والخير والإحسان... وعن مجلسه الأسبوعي الذي اتخذه مركزا فكريا وخيريا وتطوعيا مع مجتمعه، والذي بدأه عام 1422هـ في منزله بحي الأندلس بجدة، كان يجمع العلماء والمفكرين كل يوم أحد بين المغرب والعشاء، لينشروا الثقافة ويوثقوها بالتصوير التلفزيوني من ضيوفه الكبار، فكان مدرسة عامرة في الدعوة والتوعية والاعتدال». [صحيفة الجزيرة: سيرة العلم ومسيرة الفكر ونهج السماحة].

كما كتب عن أبرز جوانب التأثير والقدوة والعطاء لدى نصيف من خلال عمله الوظيفي، تلميذه وزميله معالي السفير السعودي عبدالعزيز تركستاني «ساهم في تأسيس مركز أبحاث الحج، ومعهد الاقتصاد الإسلامي، وغيرها من المراكز التي لا يمكن إحصاؤها هنا، وكان له دور بارز في تطوير البرامج البحثية والأكاديمية التي جعلت الجامعة منارة علمية في المملكة والعالم الإسلامي حتى بعد مغادرته القاعات الأكاديمية، حمل رسالته إلى أفاق أوسع وأرحب. وفي رابطة العالم الإسلامي؛ كان أبا وناصحا وأمينا على قضايا الأمة، فتح مكتبه وقلبه لكل مسلم من الشرق إلى الغرب، لا يرد صاحب حاجة، ولا يغلق بابه في وجه محتاج. كان يرى أن خدمة الناس عبادة، وأن البذل طريق لرضا الله. كم من حياة تغير مسارها بفضل كلماته، وكم من إنسان وجد في دعمه وتشجيعه نور أمل جديد». [صحيفة البلاد: في رثاء عبدالله نصيف]

- دعمه لمفهوم القطاع الثالث:

كان يشغل باله كثيرا، بل ويتحدث طويلا عن مكانة القطاع الخيري وطموحاته تجاهه، ومن ذلك أن يتم التعامل مع الجمعيات ومؤسسات العطاء والخير والإحسان والمراكز الاجتماعية المتعددة والمتنوعة، على أن تكون قطاعا إداريا ثالثا مع القطاع الحكومي والقطاع التجاري، له حقوقه واستحقاقاته، كما هي واجباته ومسؤولياته. وقد صحبت معاليه في إحدى سفراته الخيرية الخارجية، وجالسته في حضره بصورة محدودة، وكان يكرر هذا المفهوم المأمول للقطاع الخيري، وقد تفاعل مع كتاب (القطاع الثالث والفرص السانحة) حينما قرأه قبل طباعته، فكتب تقديما وتقريظا مع زملائه من أصحاب المعالي، المؤمنين بأهمية هذا القطاع ودوره التنموي المنشود في هذا الوطن المبارك.

وكان مما سطره في تقديم هذا الكتاب، قوله «سعدت جدا عندما طلب مني الأخ الكريم الدكتور محمد بن عبدالله السلومي، أن أشارك بكلمة موجزة في كتابه (القطاع الثالث والفرص السانحة)، فوجدته شاملا لجوانب تشتد الحاجة إليها في هذا العصر، الذي اختلطت فيه الأمور على عامة المسلمين، وهم مبهورون بالنظم الغربية وما أولته من اهتمام بمؤسسات المجتمع واعتمادها عليها؛ لكونها قطاعا ثالثا، له أهميته ودوره في المجتمعات الغربية كلها تقريبا، بينما تتعرض جمعيات وأعمال البر والإحسان للاتهامات والمضايقات وسد الأبواب أمامها، وقد سبق ذلك ما تعرضت له المؤسسات الوقفية في بعض الدول الإسلامية الكبرى للتأميم والاستيلاء غير المشروع عليها... وبدلا من أن يكون مصدر تمويل وتشغيل للمدارس والمساجد والأربطة ودور الأيتام وغير ذلك، أصبح يتلقى المعونات من الحكومة، ويمثل عبئا ثقيلا عليها. والموضوعات التي تعرض لها المؤلف في هذا الكتاب جديرة بالاهتمام من قبل الجميع، لإحياء هذه السنة المندثرة، إعادة الحيوية إلى المجتمعات الإسلامية بما أسماه المؤلف بالقطاع الثالث» [القطاع الثالث والفرص السانحة: ص23-24].

إن هذه الرموز الخيرية التطوعية - وهم كثير بحمد الله -، ممن يصنعون لأنفسهم (مشاريع خير للحياة)، بعطائهم الخيري واهتمامهم بالتأصيل لهذا القطاع في وطن العطاء، هم من يستحقون أن يكتب عنهم السير الذاتية والكتابات التعريفية. فهؤلاء بحق ممن يصدق في كل واحد منهم الوصف بقول الشاعر جمال الدين الصرصري:

سبحان من (جمع المحاسن) كلها

فيه، فتم بهاؤه وفخاره

جبلت على التشريف طينته فما

نشأت على غير العلى أطواره

وممن لفت الأنظار إلى أهمية تدوين المآثر والمحاسن، وتوثيق تاريخ الحضور فيما بين المسلمين عالميا، الدكتور فايد سعيد بقوله «يرحل آخرون فتبدأ سيرتهم بعد رحيلهم، لأن آثارهم بقيت حية في وجدان الناس ومؤسساتهم ومواقفهم. ومن هذا الصنف الكريم كان الدكتور عبدالله نصيف؛ رجلا عمل في صمت، وخدم في هدوء، وبذل من عمره ما جعله شاهدا على مرحلة مهمة من تاريخ حضور المسلمين في العالم المعاصر، خاصة في المجتمعات التي يعيش فيها المسلمون كأقليات دينية وثقافية» [صحيفة مكة الالكترونية].

ويمكن للقراء المزيد من القراءة عن حياته الشخصية والرسمية والعلمية والعملية والاجتماعية - على سبيل المثال - في صحيفة الجزيرة بعنوان (عبدالله عمر نصيف) لمحمد عبد الرزاق القشعمي. وما كتب عن هذا العلم من مقالات متعددة، تشير وتؤكد أهمية الكتابة عنه بكتاب خاص وثائقي، لا سيما أنه رجل جمع كثيرا من مكارم العطاء الخيري والتطوعي، فهو بحق (جامع الكثير من المحاسن)، لتضاف الكتابة عنه إلى سير أعلام نبلاء عصره، ونجوم بلاده وأمته، ولتكون مبادراته وأعماله التطوعية والخيرية مصادر إلهام لذوي المناصب والرئاسات، وموارد قدوة واقتداء لدى الأجيال، في أزمنة تتضاءل فيها القيادات وتقصر فيها القدوات.

رحم الله الفقيد (جامع المحاسن) الذي وافته المنية، صباح يوم الأحد بتاريخ 20 ربيع ثاني 1447هـ وألهم ذويه الصبر والاحتساب، ونفع الله الأمة بسيرته ومسيرته.

أخبار ذات صلة

0 تعليق