نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
المدن وعولمة الثقافة المحلية, اليوم السبت 20 ديسمبر 2025 11:07 مساءً
اشتكى لي صديقي العائد من الصين قائلا: الأكل في الصين يختلف تماما عن الموجود لدينا في المطاعم الصينية. ويضيف: أسماء الأطباق متشابهة مع تلك التي نأكلها في المطاعم الصينية العالمية؛ ولكن الطعم مختلف تماما وغير مستساغ داخل الصين. فقلت له إنها الذائقة العالمية، فهل تعتقد يا صديقي أنهم سوف يصدرون لك الأطباق نفسها التي يأكلونها محليا في الصين دون تحوير أو توليف؟ صديقي عندما تحاول نشر ثقافتك المحلية إلى العالم فلا بد أن تتأكد من مواءمتها مع معطيات العصر والذائقة العالمية، وهذا يتطلب إجراء بعض التعديلات على المنتج الثقافي قبل تصديره. فمثلا لا يمكننا تصدير طبق الجريش أو القرصان كما هو بالمكونات والتوابل الأصلية نفسها، ونتوقع انتشاره عالميا دون أن ندرس الذائقة العالمية. مهما بذلنا من جهد لا بد من تطوير آلية تقديم المنتج، وكميته، ونوعيته، والمكونات المستخدمة لكي تتلاءم مع الثقافات والأذواق كافة. علينا الوصول إلى نقاط مشتركة ترضي الجميع، وهذا يتطلب إجراء تحسينات جوهرية على المنتج قبل اعتماده بشكل نهائي.
هذا المبدأ ينطبق تماما على المدن، فالثقافة المحلية لا يمكنها أن تعمل بكفاءة لتصل إلى العالمية دون أن يتم ممارستها فعليا في المدينة. أرى أن التحول إلى المدن العالمية يمكن أن يتبع منهجين الأول وهو الأسهل ويعتمد على استنساخ النماذج العالمية وهذا يعني تطوير البنى التحتية وشبكات النقل والاتصالات المتقدمة وتحديث التشريعات والقوانين المرنة التي تجذب النخب الاجتماعية ورواد الأعمال. هذا النموذج يؤكد على التكامل التام مع منظومة الاقتصاد العالمي دون شروط، وتسليم مفاتيح التراث الثقافي المحلي كسلعة ثمينة تحفظ في خزينة الثقافة العالمية. النتيجة ارتفاع تصنيف هذه المدينة في سلم المدن العالمية، وتعزيز الإيرادات الاقتصادية وجذب الشركات متعددة الجنسيات. ولكن، لا نتوقع من هذه المدينة أن تقدم منتجا ثقافيا أو تكون منارة إبداع ثقافي؛ لأنها مدينة تسير مع التيار العالمي وتخضع لثقافة العولمة. المحصلة مدينة مسخ معظم سكانها يتحدثون لغة عالمية مشتركة، ويلبسون وفقا للموضة الفرنسية، ويتابعون الدراما الكورية، والمسلسلات التركية، والأفلام الأمريكية؛ يعشقون قصص الأنمي والألعاب اليابانية، ويأكلون من المطبخ الصيني والإيطالي، ويستمتعون بموسيقى الراب والبوب. يتوقون لزيارة تلك البلاد ليس لطبيعتها الساحرة؛ بل لأنها صدرت لديهم فكرا ثقافيا انطبع في وجدانهم.
أما المنهج الثاني فيعتمد على عولمة الثقافة المحلية بما في ذلك فنون العمارة، وفنون الطهي، والدراما المحلية، والرقص والفلكلور، والأدب، واللغة العربية وهذا بالطبع أصعب بكثير من المنهج الأول لأنه يتطلب دراسة الذائقة العالمية والعمل على تطوير الثقافة المحلية بما يتلاءم مع متطلبات العصر.
عولمة الثقافة المحلية تبدأ من توثيق القيم الثقافية المحلية وبناء مراكز ثقافية كبرى ومتاحف ومراكز للبحوث والفنون؛ ثم السعي نحو إدراج القيم الثقافية في مسار التعليم وتشجيع التبادل الثقافي ودمج القيم المحلية في الفنون الحديثة بما في ذلك تحفيز الفنانين والمهنيين على استعمال عناصر تقليدية مطورة. تتطلب هذه الخطة تشجيع السياحة الثقافية والتعاون مع المؤسسات الدولية والترويج الإعلامي. وقبل ذلك كله، إيمان المجتمع بثقافته المحلية ولغته العربية واستخدامها والاعتزاز بها كفيل بنقلها إلى العالمية وتحويلها إلى منارة إشعاع ثقافي يتوق لزيارتها معظم سكان العالم.
باختصار، علينا أن نبحث عن قيمنا الثقافية المحلية ونعيد صياغتها بقوالب قابلة للتصدير عالميا.

















0 تعليق